بدأت المبادرات الأولى في منتصف القرن التاسع عشر لتشكيل الحركة الصهيونية بتحريض استعماري فرنسي وبريطاني لإنشاء دولة يهودية على أرض فلسطين طمعاً بالسيطرة على ثروات المنطقة العربية ومحيطها من خلال تفتيتها وخلق الصراعات البينية داخلها لتظل ضعيفة متناحرة ومرتبطة بدول الاستعمار بحجة حمايتها. وكانت أولى رسائل البعثات الاستكشافية أن هذه بلاد عامرة وأهلها متجذرون فيها بصورة يستحيل اقتلاعهم منها كما تأمل الحركة الصهيونية وأربابها. لذا كانت أولى الهجرات اليهودية الصهيونية لأرض فلسطين تسعى لتأسيس مستوطنات زراعية تحاول الانغماس في الأرض والتماهي معها ليبدو المهاجرون مثل أصحاب الأرض الأصليين. وبعد تأسيس دولة الاحتلال الصهيوني -إسرائيل- كانت أولى قراراتها السيطرة الكاملة على الأرض التي قاموا بتهجير أصحابها منها بالمذابح والتهديم وحرق الأشجار والمزروعات .. وقد أعلن أول رئيس وزراء إسرائيلي بن غوريون أنه سيسكن في صحراء النقب لتشجيع المهاجرين اليهود للتشبث بالأرض والعمل بالزراعة، وكذلك فعل شارون الذي أنشأ مزرعة خاصة كبيرة في النقب، كل ذلك سعياً خلف أن يصبح المهاجر الصهيوني شبيها بالمواطن الفلسطيني تمهيداً للادعاء بأن هذا المهاجر هو الصاحب الفعلي لهذه الأرض، فإسرائيل بدأت بأكذوبة منسوبة زوراً للديانة اليهودية وسارت بأكاذيب تقمص ووتقليد سلوكيات الشعب الفلسطيني من عادات وتقاليد وهوية ثقافية. نجح الاحتلال الإسرائيلي بإبعاد عدد كبير من المزارعين الفلسطينيين عن زراعة المحاصيل والخضروات والكثير من بساتين الأشجار المثمرة، وذلك بإغراق السوق المحلية بالمنتجات الإسرائيلية مما جعل ناتج الزراعة الفلسطينية غير مجدي لدى الكثيرين، لكن الاحتلال لاحظ تمسك الفلسطيني بشجرة الزيتون، حيث لا تكاد تجد أسرة فلسطينية لا تمتلك حقل زيتون أو بضعة أشجار وبالحد الأدنى زيتونة أو اثنتين في حديقة البيت، ولاحظ خبراء الأنثروبولوجي (سلوك الانسان) الصهاينة أن الشعب الفلسطيني بكامله يحتفل بموسم قطف الزيتون كأنه كرنفال شعبي عظيم الأثر تربوياً واجتماعياً وثقافياً .. انكشفت أمام هذا الكرنفال كل أكاذيب الحركة الصهيونية وفشلوا في اثبات أكذوبة أنهم أصحاب هذه البلاد وأن شعب فلسطين طارئ غير متجذر. فقرروا نقل عدد كبير من أشجار الزيتون الكنعاني الفلسطيني القديم والذي يسمى بعضه بالرومي أي أنه عمر الشجرة يمتد لفترة الاحتلال الروماني، فقاموا في فجر يوم الخميس الموافق 19/6/1986 باقتلاع ما مجموعه 3285 شجرة زيتون معمر من جذورها بعد تقطيع غالبية أغصانها تمهيداً لنقلها وزراعتها في المستعمرات والمدن الإسرائيلية، وقد استخدموا عشرات الجرافات والحفارات والونشات والشاحنات الضخمة من أجل ذلك ونقلوا جذوع الزيتون بجذورها بعناية فائقة الى مواقع مختلفة من تل ابيب ومستعمرات النقب وأحياء في يافا ومستعمرات معالي ادوميم شرقي القدس ومستعمرات شمالي الضفة ضمن خطة كان واضحاً أنها معدة مسبقاً، حيث خلال أقل من 24 ساعة كانت الأشجار منقولة وقد زرعت فوراً خلال أيام قليلة بعد ذلك. وفي يوم الثلاثاء 24/6/1986 تكالبت كافة الأحزاب الصهيونية في الكنيست وأسقطت مشروع مناقشة جريمة اقتلاع الأشجار في الكنيست التي تقدمت بها الكتل العربية، ويومها قال بتهكم عضو الكنيست من الليكود المدعو ماير ابيدوف: "لا بد أن العرب نقلوا هذه الأشجار القديمة وزرعوها في أراضي الدولة ليدعوا ملكية هذه الأرض" وهذا دليل قطعي على أنه يتحدث عما في نفسه فالمجرم يحوم دوماً حول جريمته فهو يتحدث عما قاموا به هم وينسبوه ظلماً لفلاحين لا يمتلكون غير الفؤوس والمجارف آنذاك فكيف لهم بنقل آلاف الأشجار المعمرة؟ تكررت أعمال قلع أشجار الزيتون المعمرة من مواقع فلسطينية مختلفة لزراعتها في طرق وساحات ومداخل المستعمرات ... ورغم كل ذلك لم يتمكن الاحتلال من تقمص ثقافة عشق الزيتون التي يتمتع بها الفلسطيني وبقيت أشجار الزيتون ومواسم الزيت غصة عميقة في رواياتهم الكاذبة وفي صدور قياداتهم الحالمة بوطن يهودي صهيوني مستقر في المنطقة، وظلّت الزيتونة هوية ثقافية فلسطينية تؤكد على عروبة هذه الأرض. عند ذلك – وحسب الشواهد المتعددة لسلوكهم اللاحق - اتخذت القيادات الصهيونية قرارها بتفريغ فلسطين من أشجار الزيتون ليتسنى لهم تفريغها من أصحابها الفلسطينيين! فأوعزوا للمستوطنين بإطلاق حملة قلع الزيتون الفلسطيني وترافق ذلك مع مرحلة تصاعد الهجمة الاستيطانية التي تبعت اتفاقية أوسلو وقتلهم لرئيس وزرائهم اسحق رابين وذلك في أعوام 1995 -1996 وما تلاها حيث سعوا لإفشال التفاهمات ومنع إنشاء دولة فلسطينية مستقلة فانهالوا استهدافا للزيتون بالذات كمحاولة لشطب هذه الهوية الثقافية التي تميز بها الفلسطينيون، وأخذت أرقام قلع الزيتون تتصاعد، وأصبح التركيز على الزيتون لا سيما المعمر من الأشجار. يزداد حيث بلغ المعدل السنوي لعدد أشجار الزيتون المعتدى عليها منذ بدء الاحتلال حتى عام 1993 حوالي 9 آلاف شجرة زيتون سنويا فارتفعت هذه النسبة بعد اتفاقية التسوية ليصبح المعدل السنوي خلال العقود الثلاث التي تبعت أوسلو حوالي 17 ألف شجرة زيتون سنويا، وبلغت الاعتداءات ذروتها بعد استلام حكومة المستوطنين الأخيرة التي بدأت مع اول يوم للعام 2023 ارتفع المعدل السنوي للاعتداء على الزيتون الى حوالي 38 ألف شجرة سنويا. وهذا يشير الى توحش المستوطنين وقياداتهم وأحزابهم ضد أي عملية سلام أو تعايش أو مجرد تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مما يعطي الدليل القاطع أن هذا الاحتلال يستهدف قلع الفلسطيني من جذوره من هذه الأراضي، وهذا ما يلاحظ في موضوع جنون انتشار البؤر الاستيطانية الرعوية خلال السنوات الخمس الماضية حيث بلغ عدد هذه البؤر أكثر من 240 بؤرة تنتشر على الأرض بصورة عشوائية دون أي رادع والجيش الإسرائيلي يحرسهم ويمنع الفلسطيني من الدفاع عن حقه وعن نفسه أمامهم، والأراضي التي تسلم أحياناً من اعتداء المستعمرين وجيش الاحتلال يمنع المستعمرون أصحابها من الوصول إليها للاعتناء بها أو جني الثمار، وكما يلاحظ الجميع شراسة هجمات المستوطنين على قاطفي الزيتون فجعلوا من موسم الزيتون موسم وجع وعذاب بعد أن كان كرنفال فرح احفاءً بالزيت المقدس. لقد باتت شجرة الزيتون الرابط الأخير الذي ما زال يزخر بالانتماء الفلسطيني لهذه الأرض المصطبغة بدماء شهداء أبنائها الفلسطينيين، وما زال يعبر بوضوح عن الهوية الثقافية لهذا الشعب المرابط ... وبات التحدي الاحتلالي الساعي لابتلاع الأرض واستبدال أنفسهم بدلاً من أصحابها يداهم كل فلسطيني فالصراع يقوم على الأرض والهوية والتاريخ .. ومن يصمت اليوم سيبكي بالدم غدا .. جمال العملة، مستشار مركز أبحاث الأراضي صورة: شجرة الزيتون رمزٌ للتضامن مع الشعب الفلسطيني، تُحتفل به سنويًا في 29 نوفمبر/تشرين الثاني. المصدر: ملف شبكة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ثيمات
• إقليمي
• الإخلاء القسري
• البيئة المستدامة
• التخطيط للمناطق الريفية
• التشريد
• الزراعة
• السياسات العامة
• الشعوب الأصلية
• الغذاء ( الحق، السيادة، الأزمة)
• الفلاحين
• المعدمين
• المعيشة
• الوصول إلى الموارد الطبيعية
• تدمير الموئل
• حقوق الأرض
• حقوق الملكية
• شعوب تحت الاحتلال
• نزع المكلية
• نقل السكان
• وطني